مصير السياسة النقدية البريطانية مرهون بلقاحات فيروس كورونا والانتعاش الاقتصادي

 
بلا شك لقد عانت بريطانيا من الكثير في الآونة الأخيرة بداية من أزمات البريكست وحتى السلالت الجديدة من فيروس كورونا التي ظهرت في لندن وأجبرتها على فرض إغلاق وطني لفترات طويلة.
 
كانت المملكة المتحدة واحدة من أكثر البلدان تضررًا من هذا الوباء، حيث سجلت رابع أكبر عدد من الإصابات بعد الولايات المتحدة والهند والبرازيل. وقد أحصت حتى الآن أكثر من 4.1 مليون حالة إصابة بفيروس كورونا وشهدت 120,810 حالة وفاة نتيجة للفيروس، وفقا لبيانات جامعة جونز هوبكنز.
 
كما كانت قد شهدت ارتفاعا حادا فى الحالات بحلول فصل الشتاء، حيث ظهرت سلالة جديدة أكثر انتشارًا وعدوى  للفيروس فى جنوب شرق البلاد.
 
وقد أصبح الآن السلالة المهيمنة من الفيروس في جميع أنحاء البلاد، وتم اكتشافه في العديد من البلدان في جميع أنحاء العالم، جنبا إلى جنب مع سلالات أخرى أكثر ضراوة من الفيروس.
 
لكن ثمة ضوء في نهاية النفق المظلم، فقد سجلت بريطانيا استجابات إيجابية تجاه لقاح فيروس كورونا. بل وكانت أول دولة في العالم توافق على لقاح فيروس كورونا، من فايزر وبيو إنتك، وبدأت في توفير الجرعات من هذا اللقاح في أوائل ديسمبر وإعطائه على معظم أفرادها المسنين من السكان، والعاملين في دار الرعاية وموظفي الرعاية الصحية والمستشفيات. غير أن بريطانيا خضعت لإغلاق وطني مشدد وسط تكهنات الآن بأن يتم رفعه تدريجيًا بحلول أوائل مارس. 
 
أداء الاقتصاد البريطاني:
 
بالطبع كان لوباء كورونا أثر بالغ على الاقتصادات العالمية ككل، فقد تضررت معظم الاقتصادات من الإغلاقات المكثفة، ما أثر بالسلب على نشاطات تلك الاقتصادات. وكان الاقتصاد البريطاني على وجه التحديد لا يعني فقط من أزمة جائحة كورونا بل كان يعاني من أثر خروجه وانفصاله من الاتحاد الأوروبي.
 
فقد شهد اقتصاد المملكة المتحدة أكبر ركود له في أكثر من ثلاثة قرون في العام الماضي، مع انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنحو 10٪ على مدار عام 2020.
 
وهذا يعني أن وباء "كوفيد-19" قد قضى فعلياً على كل نمو في المملكة المتحدة على مدى السنوات السبع الماضية، مما أدى إلى عودة الاقتصاد إلى ما يقرب من حجمه في عام 2013.
 
وكان الهبوط بنسبة 9.9٪ في الناتج المحلي الإجمالي في المملكة المتحدة أقل حدة مما كان متوقعًا ولكنه لا يزال يتجاوز الانهيار البالغ 9.7٪ الذي شهدته خلال فترة الكساد الكبير في عام 1921 ، مما يجعله أسوأ انخفاض سنوي منذ عام 1709، وفقًا لقاعدة بيانات بنك إنجلترا.
 
وعلى صعيد سوق العمل البريطاني، فقد ارتفع معدل البطالة إلى 5.0%، وهي أعلى نسبة له منذ عام 2016، مع استمرار وباء الفيروس التاجي في تأثيره على الاقتصاد.
 
علاوة على ذلك، تراجع مؤشر مديري المشتريات للبناء البريطاني إلى 49.2 في يناير 2021، ليتراجع من 54.6 في الشهر السابق، حيث جاء دون توقعات السوق البالغة 52.9.
 
 
السياسة النقدية البريطانية:
 
ثمة انقسام قوي داخل بنك إنجلترا حيال السياسة النقدية البريطانية، حيث دخل صناع السياسات في بنك إنجلترا لمعركة داخلية نادرة حول أفضل السبل لتعزيز الانتعاش من الفيروس التاجي حول إذا ما كانت هناك حاجة إلى حوافز إضافية.
 
وفي إطار عدة خطابات ألقاها مؤخرًا صناع السياسة بالبنك، أصبحت الآراء حول لجنة السياسة النقدية في البنك المركزي راسخة على نحو متزايد بين أولئك الذين يعتقدون أن بنك إنجلترا لابد وأن يخلق المزيد من الأموال لشراء السندات الحكومية، وتوسيع برنامج التيسير الكمي، وتلك التي تريد تحديد سعر فائدة رسمي سلبي.
 
فمن جهته، يدعم صانع السياسة في بنك إنجلترا، غيرتجان فليجيه، تطبيق معدلات الفائدة السلبية. كما صرح مايكل سوندرز، صانع السياسة في بنك إنجلترا، بأن أسعار الفائدة السلبية قد تكون قريبًا أفضل أداة لبنك إنجلترا، ورفع احتمالية أن تستغرق البطالة وقتًا طويلاً للعودة إلى مستويات ما قبل الوباء.
 
وسيصبح التوتر فى اللجنة أكثر حدة إذا رأت لجنة السياسة النقدية أن الانتعاش قد اثبت أنه مخيب للآمال بعد اغسطس وهو التاريخ الذى أعلن فيه بنك إنجلترا أن البنوك المحلية ستكون بحاجة إلى أن تكون مستعدة لاحتمالية وجود أسعار فائدة سلبية..
 
واتفقت لجنة السياسة النقدية بالإجماع في اجتماعها في فبراير 2021 على أنه لا توجد حاجة إلى المزيد من التحفيز في الوقت الحالي، مع توقع انتعاش اقتصادي سريع يتم تغذيته باللقاحات هذا العام. ولكن في الخطب الذي ألقاه الأسبوع الماضي اختلف الأعضاء حول ما يجب القيام به إذا كان هذا الترقب أقل من التوقعات.
 
 
أداء العملة البريطانية:
 
تأرجح الجنيه الاسترليني في الآونة الأخيرة ما بين صعود وهبوط، ولكن كان أدائه في المعظم يميل صوب الارتفاع. وخلال تعاملات الأربعاء استكمل الجنيه الاسترليني أطول سلسلة من المكاسب في خمس سنوات ونصف بعد أن ذكرت صحيفة تلغراف أن خروج المملكة المتحدة من الإغلاق الثالث يمكن تسريعه إذا ثبت أن البيانات حول تأثير اللقاحات جاءت أفضل مما كان متوقعا.
 
هذا وعن توقعات أداء الجنيه الاسترليني خلال 2021، فيرى الكثير من المشاركون في السوق أن الاسترليني سيخترق مستوى 85 بنس مقابل اليورو، وسيتجاوز مستوى 1.50 دولار خلال العام الجاري.
 
فإن سرعة عمليات تطعميات فيروس كورونا في المملكة المتحدة، ونطاق الانتعاش الاقتصادي الأقوى في الربع الثاني من 2021، كما هو متوقع، وتراجع الموقف الحمائمي لبنك انجلترا مقابل البنك المركزي الأوروبي من شأنهم جميعًا أن يجلب بعض النفع على  الجنيه الإسترليني مقابل اليورو.